|
|
صفحة: 133
والبين أبكى الشعراء على المعاهد فأدروا على الرسوم الدموع ، وسقوا الديار ماء الشوق ، وتذكر ما قد سلف لهم فيها فأعولوا وانتخبوا ، وأحيت الآثار دفين شوقهم فناحوا وبكوا . ولقد أخبرني بعض الوراد من قرطبة وقد استخبرته عنها ، أنه رأى دورنا ببلاط مغيث ، في الجانب الغربي منها وقد امحت رسومها ، وطمست أعلامها ، وخفيت معاهدها ، وغيرها البلى وصارت صحاري مجدبة بعد العمران ، وقيافي موحشة بعد الأنس ، وخرائب منقطعة بعد الحسن ، وشعابا مفزعة بعد الأمن ومأوى للذئاب ، ومعازف للغيلان ، وملاعب للجان ، ومكامن للوحوش ، بعد رجال كالليوث ، وخرائد كالدمى تفيض لديهم النعم الفاشية . تبدد شملهم فصاروا في البلاد أيادي سبا ، فكأن تلك المحارب المنمقة . والمقاصير المزينة ، التي كانت تشرق إشراق الشمس ، ويجلو الهموم حسن منظرها ، حين شملها الخراب ، وعمها الهدم ، كأفواه السباع فاغرة ، تؤذن بفناء الدنيا ، وتريك عواقب أهلها ، وتخبرك عما يصير إليه كل من تراه قائما فيها . وتزهد في طلبها بعد أن طالما زهدت في تركها ، وتذكرت أيامي بها ولذاتي فيها وشهور صباي لديها ، مع كواعب إلى مثلهن صبا الحليم ، ومثلت لنفسي كونهن تحت الثرى وفي الآثار النائية والنواحي البعيدة وقد فرقتهن يد الجلاء ، ومزقتهن أكف النوى ، وخيل إلى بصرى بقاء تلك النصبة بعد ما علمته من حسنها وغضارتها والمراتب المحكمة التي نشأت فيما لديها ، وخلاء تلك الأفنية بعد تضايقها بأهلها ، وأوهمت سمعي صوت الصدى
|
مطاح
|
|