|
|
صفحة: 75
التجربة وسعت آفاقي وخاصة بعد أن علقت أمي وقالت بانه لو كان كل اليهود بمواصفات الطبيب لكنا عشنا سوية بسلام ومودة منذ البداية . كان أبي يخوض مناقشات عديدة مع الطبيب ، والتي تمحورت حول قضايا اجتماعية وسياسية . على وجه الخصوص ، أحبا مناقشة وجوه الاختلاف والتشابه بين العرب واليهود من الناحية الحضارية والدينية . وقد طلب الطبيب منا؛ أن نحجز رقمين في المرة القادمة والتي نأتي فيها لزيارته حتى يتسنى له الحديث معنا لوقت أطول ، وغالبا ما كنا نفعل . والحقيقة أن تلك النقاشات لم تكن ذات نهاية سعيدة ، حيث أن كلا الطرفين كانا يشعران بالحزن بسبب ما حدث أو يحدث في الحاضر والمستقبل بين العرب واليهود في منطقتنا . كانت محادثتنا هذه تختتم بشكل سخيف وعلى الأقل هذا ما كنت اعتقده ، كان الطبيب يقول دائما " يهي طوف" ( الأمور سوف تكون على ما يرام ،( وكان أبي يرد قائلا " إن شاء الله . " هاتان الجملتان كانت بالنسبة لي تتسم بالعبث ، لان كليهما لم يكونا متفائلين أو حتى متأملين . ولكن دائما ينهيان حديثيهما باستعمال هذه المصطلحات التي لم يؤمنا بها أساسا . كنت دائما أعجب بيني وبين نفسي كيف أصبح أبي والطبيب صديقين؛ فقبل ثلاث أو أربع سنوات كانا عدوين وينتميان الى شعبين مختلفين ، اتصلا عن طريق الأسلحة ، وحتى الجروح ما زالت مفتوحة ، فبالنسبة لنا ، الابتسامة اختفت عن وجه أمي وأنا أؤمن بشدة بأن تلك الابتسامة لن تعود إليها ابدا . ازداد إعجابي بوالدي ، فكان لا يقل عن اليهود بشيء ، كنت دائما استمتع بحقيقة أن أبي متعلم . في البداية كان بسبب أن أبي ( وحتى أنا ) قد كسبنا احترام وتقدير الناس في القرية ، ولكني أدرك بأن هنالك أمرا اخر يتعلق بوالدي . فكان بإمكانه موافقتهم في العديد من الأمور . أنا أدرك بان لو لم يكن أبي مثقفا بما فيه الكفاية لكانت الأمور مختلفة تماما . فالتعليم والثقافة احتلا مركزا أساسيا في ذهني ، فتلك هي الطريقة الوحيدة التي من خلالها يمكن منافسة اليهود . في إحدى المراحل ، في تلك الآونة ، شعرت بخيبة أمل شديدة . صدقوا أو لا تصدقوا ، فقد قابلت يهوديا جيدا ، اعني بالفعل انه جيد . كان من الصعب علي تصديق ما كنت أشهده أو أمر به فالتجربة مع الطبيب صدمتني ، فكنت مقتنعا بأن كل اليهود سيئون وها أنا التقي بيهودي يختلف عنهم ، لذلك أقنعت نفسي بأن هذا اليهودي يختلف عن سائر اليهود هو شاذ عن القاعدة . لماذا؟ لأنه يستحيل أن أكون مخطئا أنا وبقية سكان القرية . كنت أقول لنفسي " انظر إلى أمك" ما الذي فعلته لليهود ليسيئوا إليها ، ولعائلتها ولكل سكان قريتها فلقد حطموا كل ما يخصنا " سلسلة كاملة من الذكريات التي كانت تتوارد إلى ذهني لتعزز "نظريتي" عن اليهود .
|
دراسات المركز العربي للحقوق والسياسات ע"ר
|
|