|
|
صفحة: 65
كنت لا أحتمل اليهودي في نفس الوقت للأسباب نفسها . فهو كان قوي جدا لدرجة أن الله بدا لي كأنه في خدمتهم ـ والا لماذا لم يستجب لكل صلوات ودعوات جدتي وكل النساء الأخريات؟ وكنت لا أحتملهم لأنهم جعلوا أمي والكثير من النساء يبكين ، ولأنهم لم يتيحوا للمرأة الفرصة لأن تأخذ طفلها الرضيع معها فأخذت المخدة عوضا عن أن تأخذ ابنها . انذاك كان جهاز راديو واحد في كل قرية . ولم يكن يسمح لنا بالاقتراب منه ، كنت أحيانا اكره هذا الجهاز لمشاركته في حب واهتمام أهلي بي ، اذكر كيف كان يقصد بيتنا كل رجال القرية في أوقات ما بعد الظهيرة؛ كبار السن كانوا يجلسون على الفراش المحشو بالصوف وأما صغار السن كانوا يتجمعون خارج البيت في انتظار نشرة الأخبار . تلك كانت ساعات النهار الوحيدة والتي كنا نشغل بها جهاز الراديو ، لقد كان وجود الكهرباء في بيوتنا فيما بعد بمثابة سحر لنا جميعا وذلك على مر سنوات عديدة ، ففي السابق تعودنا تشغيل جهاز الراديو بواسطة بطارية السيارة . كنت أتضايق من هذه التجمعات اليومية في بيتنا ، كان يتوجب علي التأكد من تقديم القهوة لكل شخص . كلما شكوت لأمي استيائي لتوزيع فناجين القهوة على الضيوف كانت تقول لي " لا تتذمر من هذا لأن الناس سيعتقدون بأن عائلتنا لا تحب استقبال هؤلاء الضيوف ، " ولكن من جهة أخرى أحببت الأمر لأنه بعد انتهائي من واجبي هذا ، كان يطلب مني الانضمام إليهم ، والجلوس وسط الضيوف . بالنسبة لي كانت هذه معاملة خاصة لأن أبناء جيلي لم يسمح لهم بالجلوس بصحبة كبار السن . بعد انتهاء بث النشرة الأخبارية يومئذ ، كان الناس يتوجهون إلى أبي طالبين منه شرح ما قيل في النشرة ، وبقي الأمر بمثابة لغز لي حتى أدركت بان أبي كان يفسر ما كان يقال بالعربية الفصحى ويترجمه للعامية حتى يتسنى لكبار السن فهم النشرة . تلك القرية تم تحطيمها ، وقرى عديدة أخرى سقطت في يد اليهود وكانت الجيوش البريطانية تعمل على مساعدتهم أيضا ، الجيوش العربية زاحفة . أمران أساسيان كانا يشغلان الناس عند تعليقهم على الأخبار ، كم كانت تبعد القوات اليهودية عن منطقتنا ، كان الجميع يصلي بأن لا نراههم وبأن لا نعاني من جبروتهم ، الأمر الآخر كان توقع رؤية أعداد اكبر من اللاجئين يمرون عبر منطقتنا ، بكل بساطة لم نستطع التحمل أكثر .
|
دراسات المركز العربي للحقوق والسياسات ע"ר
|
|