|
|
صفحة: 63
كانت حقيقية وبعضها الأخر كان خياليا . ولكن ، بالنسبة لي كانت كلها على الإطلاق حقيقية ، خاصة أن قريتنا كانت تعج باللاجئين العرب والذين لجأوا إلى القرية قادمين من منطقة الكرمل . كنت أرى مدى شعورهم بالخوف وكيف كانت الأمهات والأبناء يبكون . ما زلت أذكر كيف كنا نتقاسم كمية الحليب المحددة مع العديد من الأولاد الذين سكنوا مع عائلاتهم بجوار بيتنا . لن أنسى ما حييت كيف كانت تتجمع النساء في الخارج ليتبادلن القصص عن اللاجئين واليهود ، وكانت قصص اللاجئين العرب مفعمة بالتعاطف والمشاعر ، أما عن اليهود فكانت مفعمة بالكراهية ، وكانت مشاعر محملة بالعزة والفخار . وفي العديد من المرات شاهدت نساء يرفعن رؤوسهن عند الصلاة طالبات من الله عونه على اليهود وعلى أعمالهم . ولن أنسى أبدا إحدى القصص والتي كانت تسرد مرارا وتكرارا من قبل النساء عن امرأة لاجئة وصلت إلى بلدتنا تاركة بلدتها ، هذه الأم اكتشفت بأن ما تحمله بين يديها لم يكن ابنها الصغير الذي كان في المهد وإنما وسادته ، كل النساء كن يقلن كيف جن جنون هذه المرأة وما الذي فعلته بنفسها عقب ذلك ، كلما تذكرت هذه القصة كلما زاد اضطرابي وقلقي : وآنذاك كان لي أخ صغير ما زال في المهد . وبعد ذلك ، تواردت أخبار سيئة على مسامع أمي عن قريتها ، " الكابري" والتي تبعد بضعة أميال عن عكا التي دمرت بالكامل ، كانت عائلتها تسكن هناك ولم تتمكن أمي من معرفة مصيرهم . ورأت في المنام أنهم تمكنوا من الهرب وأصبحوا لاجئين؛وأنهم قد تمكنوا من الهرب في منتصف الليل واستقروا في مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا . لدي الكثير من الذكريات المترسخة في ذهني المتعلقة بـ ( الكابري ) بعضها غامضة وبعضها الآخر غاية في الوضوح ، فما زلت أذكر الألعاب التي كان يحضرها أخوالي لي بعد عودتهم من عكا أو حيفا ، واذكر كيف كانوا يعلمونني السباحة في احد انهار الكابري الصغيرة ، و كان أحدهم يلقي بي في النهر ويدعني أسبح بنفسي ، كنت أخاف من الماء لأنه لم يكن في قريتنا أي نهر ، وبما أننا كنا نسكن شرقي البلاد- بعيدا عن ساحل البحر ، لم تتسن لي رؤيتهم بعد ذلك ولا حتى لمرة واحدة . عندما تلقت أمي خبر تدمير الكابري عشية المعركة التي حدثت في ضواحي عكا ، ظلت تبكي دون توقف ، إلى جانب ذلك أصبحت غاية في العصبية حتى أننا
|
دراسات المركز العربي للحقوق والسياسات ע"ר
|
|