سامي مرعي الإنسان والباحث بين التنوع والأصالة

صفحة: 40

وبذلك ترتسم أمام العالم صورة وطن عربي كبير يعادي إسرائيل صغيرة يغص بها ويحاربها وقد اجتمع فيها أبناء الشعب اليهودي الذين نجوا من مجازر الكارثة النازية . وكذلك يرسمون صورة وطن عربي قاسي القلب عديم المشاعر الإنسانية فهو لا يوطن في أرجائه الواسعة من المحيط إلى الخليج مجموعات من اللاجئين المشردين الذين جنوا على أنفسهم ، وبذلك تزول ملامح الصراع الحقيقية حيث ينكرون القضية الفلسطينية كمحور للصراع ، بل ينكرون وجود شعب فلسطيني له حقوقه الوطنية المشروعة . وهل ننسى استفهام غولدة مائير الإنكاري : أين هو الشعب الفلسطيني؟ وفي الوقت نفسه تتخبط هذه الأوساط في تعاملها مع العرب الفلسطينيين في إسرائيل ، فهي– من ناحية – لا تريد أن ترى فيهم أقلية قومية ، بل أقليات طائفية أو دينية لأن للأقليات القومية حقوقا لا يراد الاعتراف بها ، ومن ناحية أخرى تستعمل تسمية " العرب" أو " الوسط العربي ، " سواء في الصحافة أو في عدد من الدراسات ، وفي هذا من التعميم الذي يتحاشى الخصوصية وإيحاءاتها . ومن طرف آخر فإن الحكم الهاشمي الأردني سعى من جهته إلى تجاوز الخصوصية الفلسطينية حين ضم الضفة الغربية ليجعلها جزءا لا يتجزأ من المملكة ، وما زال هذا الحكم اليوم يسعى إلى الالتفاف حول هذه الخصوصية ، وإن كان سعيه هذا يتلون بأشكال بين المناورة والمؤامرة . وقد حدث سامي عن نقاش شديد حول هذا الموضوع في أحد المؤتمرات جرى بينه وبين الدكتور ناصر الدين الأسد – حيث كان هذا ممثلا لوجهة النظر الأردنية الرسمية الهادفة إلى الاحتوائية بتجاهل الخصوصية . وكان سامي يسمي موقف التمييع والتذويب هذا بمصطلح انجليزي ، Over- Arabisation : و"المبالغة في العروبية" وتجاوز الخصوصية الفلسطينية . من منطلق إبراز هذه الخصوصية ، والحرص على الدقة العلمية في التعبير ، ودور تلك الدقة في التوعية – كان سامي يحرص دائما في كتاباته وخطبه وأحاديثه على تأكيد الانتماء الفلسطيني وأبعاده في الهوية . ومن يستعرض الفكر السياسي والتربوي في البلاد في العقد الأخير يدرك دور سامي الريادي في تأكيد هذه الخصوصية وذيوعها في الوعي . وأما الموضوع الثاني فهو : سعي سامي إلى صياغة شاملة لفكر تربوي فلسطيني . كان ذلك من الهموم التي شغلته باستمرار ، وكان يناقش الطروحات بصوت عال ليبلورها . وطالما قلب وجوه تلك الطروحات وجدليتها في جلسات

السابق:  |  التالي