|
|
صفحة: 157
السبت لليلتين بقينا من ذي القعدة عام اثنتين وأربعمائة . واتصلت بنا تلك الحال بعده إلى أن كانت عندنا جنازة لبعض أهلنا فرأيتها . وقد ارتفعت الواعية ، قائمة في المأتم وسط النساء في جملة البواكي والنوادب فلقد أثارت وجدا دفينا وحركت ساكنا ، وذكرتني عهدا قديما وحبا تليدا ودهرا ماضيا وزمنا عافيا وشهورا خوالي وأخبارا بوالي ودهورا فواني وأياما قد ذهبت وآثارا قد دثرت ، وجددت أحزاني وهيجت بلابلي ، على أني كنت في ذلك الهنار مرزا مصابا من وجوه ، وما كنت نسيت لكن زاد الشجى وتوقدت اللوعة وتأكد الحزن وتضاعف الأشف ، واستجلب الوجد ما كان منه كامنا فلباه مجيبا . فقلت قطعة ، منها : يــبــكــي لمـــيـــت مـــــات وهـــــو مـــــكـــــرم وللحي أولى بالدموع الذوارف فــيــا عــجــبــا مــن آســـف لا مـــرئ ثــوى ومـــا هــو للمقتول ظــالمــا بآلـف ثم ضرب الدهر ضربانه وأجلينا عن منازلنا وتغلب علينا جند البربر ، فخرجت عن قرطبة أول المحرم سنة أربع وأربعمائة وغابت عن بصرى بعد تلك الرؤية الواحدة ستة أعوام وأكثر ، ثم دخلت قرطبة في شوال سنة تسع وأربعمائة فنزلت على بعض نسائنا فرأيتها هنالك ، وما كدت أن أميزها حتى قيل لي هذه فلانة وقد تغير أكثر محاسنها ، وذهبت نضارتها ، وفنيت تلك البهجة ، وغاض ذلك الماء الذي كان يرى كالسيف الصقيل والمرآة الهندية ، وذبل ذلك النوار الذي كان البصر يقصد نحوه متنورا ، ويرتاد فيه متخيرا ، وينصرف عنه متحيرا . فلم يبق إلا البعض المنبئ عن الكل ، والخبر
|
مطاح
|
|