|
|
صفحة: 106
ثم هجر يوجبه الوشاة ، وقد تقدم القول فيهم وفيما يتولد من دبيب عقاربهم ، وربما كان سببا للمقاطعة البتة . ثم هجر الملل ، والملل من الأخلاق المطبوعة في الإنسان ، وأحرى لمن دهى به ألا يصفو له صديق ، ولا يصح له إخاء ، ولا يثبت على عهد ، ولا يصبر على إلف ، ولا تطول مساعدته لمحب ، ولا يعتقد منه ود ولا بغض . وأولى الأمور بالناس ألا يغروه منهم وأن يفروا عن صحبته ولقائه . فلن يظفروا ( 1 ) منه بطائل ، ولذلك أبعدنا هذه الصفة عن المحبين وجعلناها في المحبوبين ، فهم بالجملة أهل التجني والتظني . والتعرض للمقاطعة . وأما من تزيا باسم الحب وهو ملول فليس منهم ، وحقه ألا يتجرع مذاقه ، وينفي عن أهل هذه الصفة ولا يدخل في جملتهم . وما رأيت قط هذه الصفة أشد تغلبا منها على أبي عامر محمد بن عامر رحمه الله ، فلو وصف لي واصف بعض ما علمته منه لما صدقته وأهل هذا الطبع أسرع الخلق محبة ، وأقلهم صبرا على المحبوب وعلى المكروه والصد ، وانقلابهم على الود على قدر تسرعهم إليه . فلاتثق بملول ولا تشغل به نفسك ، ولا تعنها بالرجاء في وفائه . فإن دفعت إلى محبته ضرورة فعده ابن ساعته ، واستأنفه كل حين من أحيانه بحسب ما تراه من تلونه ، وقابله بما يشاكله . ولقد كان أبو عامر المحدث عنه يرى الجارية فلا يصبر عنها ، ويحيق به من الاغتنام والهم ما يكاد أن يأتي عليه حتى يملكها ، ولو حال دونه ذلك شوك القتاد ، فإذا أيقن بتصيرها إليه . 1 في الأصل يخلو .
|
مطاح
|
|